مدارس بلا عنف

 

 

جابر حسين العُماني **

jaber.alomani14@gmail.com

 

تُمثِّل المدرسة البيئة الأهم بعد المنزل لتلقي أبنائنا التعليم، وبناء شخصياتهم وتشكيل سلوكياتهم الأخلاقية، لذلك ينبغي ألا تكون ساحة للعنف اللفظي أو الجسدي، حفاظًا على سلامتهم ونموهم النفسي والاجتماعي.
ومن أخطر الظواهر الاجتماعية والأسرية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ظاهرة العنف، وهي ظاهرة تستوجب منا جميعًا التوقف عندها، لمحاولة علاجها والحد من سلبياتها الاجتماعية والأسرية على الفرد والمجتمع.

ينبغي أن يتمتع الحرم المدرسي بالأمان والاحترام والاستقرار والنظام الدائم، وأن يكون خاليًا من كل أشكال العنف، مثل: الضرب والتهديد والوعيد والفصل التعسفي، ونشر الشائعات والسخرية، والتنمر والسب والشتم، والتنابز بالألقاب، وغيرها من السلوكيات التي لا تليق بالمؤسسة التربوية ومنتسبيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَسُبُّوا الناسَ فَتَكتَسِبُوا العَداوةَ بَينَهُم".

وعندما نتحدث عن العنف في المدارس، لا بُد من البحث الجاد عن أسبابه، وكيف نشأ بين طلابنا وطالباتنا؟ والإجابة عن هذا السؤال تضعنا أمام عدد من النقاط التي هي من أهم العوامل التي تؤدي إلى نشوء ظاهرة العنف في البيئة المدرسية، وهي كالآتي:

  • أولًا: الأسرة العنيفة، التي تربي أطفالها على العنف، فتجد الوالدين يعيشان فيها حالة من الترهيب والوعيد، فيحولان الأسرة وكأنها غابة مليئة بالحيوانات المفترسة، فينشأ الطفل فيها على العنف، ويقوم بتطبيق ما رآه على من يراه من أقرانه في بيئة المدرسة؛ حيث يقول الإمام علي بن أبي طالب: "كُنْ لَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ وَشَدِيدًا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ".
  • ثانيًا: عندما تكون الرقابة المدرسية ضعيفة في أداء مهامها، وتتغاضى عن السلوكيات العنيفة داخل المدرسة، فمن الطبيعي أن ينتشر العنف وينمو في البيئة التعليمية.
  • ثالثًا: السماح للأبناء بمتابعة الإعلام المتنوع واستخدام الألعاب الإلكترونية دون رقابة أو توجيه من الوالدين والمربين، وذلك يعد من أبرز أسباب اكتساب السلوكيات العنيفة؛ كتعرضهم لمشاهدة الأفلام العنيفة، والاهتمام البالغ بالألعاب الإلكترونية قد يؤدي إلى زرع فكرة العنف في نفوس الأبناء وعقولهم، مما يشكل خطرًا حقيقيًا على الأسرة والمجتمع، وقد توجه تلك الأفكار الأبناء إلى ارتكاب الجرائم أو الإقدام على الانتحار.
  • رابعًا: ضعف القيم والمبادئ الأسرية والاجتماعية، بما في ذلك عدم التركيز على أهمية التربية على الحوار، وكيفية إدارة الغضب، وعدم التعود على ممارسة الهدوء واحترام الآخرين، وهي عوامل تسهم في تنمية العنف لدى الأبناء.
  • خامسًا: تعد الضغوط الدراسية والنفسية من أهم التحديات التي تربك الطالب وتجعله منطويًا ومتوتّرًا لا يعرف سوى الفشل والإرهاق والكسل، مما يؤدي به إلى العنف، فيضر بذلك نفسه وأسرته ومدرسته ومجتمعه.

إنَّ العنف المدرسي له مخاطر وآثار مضرة على المدرسة وطلابها وكادرها التدريسي، ومن تلك المخاطر: القلق، والاكتئاب، وضعف التواصل بين المعلم والطالب، وانخفاض المستوى التحصيلي، وكثرة الغياب والخوف من الحضور إلى المدرسة. وعندما نتحدث عن ظاهرة العنف في المدارس لا بُد أيضًا أن نتحدث عن العلاجات التي من خلالها نستطيع صناعة بيئة مدرسية خالية من أشكال العنف، فما هي أهم تلك العلاجات لحل المشكلة من جذورها؟


1- سن قوانين صارمة وواضحة لمكافحة العنف والتأكيد على تطبيقها في البيئة المدرسية بشكل متكامل والالتزام الحقيقي بذلك.

2- تنظيم الندوات والدروس الأخلاقية المشجعة للطالب على التمسك بالأخلاق والقيم والمبادئ الاجتماعية والأسرية، والاهتمام بالإيجابيات واجتناب السلبيات.

3- تعزيز ثقافة الحوار والاحترام والتقدير والإجلال بين الجميع في البيئة المدرسية.
4- التعاون المشترك بين المدرسة والمنزل، وذلك من خلال تفعيل قنوات التواصل بين أولياء الأمور وإدارة المدرسة ومتابعة أحوال الأبناء وسلوكياتهم داخل حرم المدرسة.

5- تعليم الأبناء الثقافة القرآنية، وكيفية القراءة السليمة لكتاب الله تعالى، لما له من دور فاعل في تهدئة النفس واطمئنانها، قال تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} صدق الله العلي العظيم.

6- تعليم الطالب كيف يسيطر على غضبه وانفعالاته، وإفهامه أن الغضب مهما بلغت شدته لا يعود عليه إلا بالندم والإحباط، بينما الصبر والحلم عند الغضب يعودان على الإنسان بالخير والقوة ويجعلان من شخصيته شخصية محبوبة بين أقرانه.

وأخيرًا.. يجب أن تنعم مدارسنا العربية والإسلامية ببيئة يسودها الأمن والاطمئنان والاستقرار، وتلك هي مسؤولية عظيمة تقع على عاتق الجميع، فلا بُد أن تُبنى المدارس على الاحترام والتقدير واللطف والتسامح والسلام بين الجميع، بعيدًا عن العنف ومساوئه.

 

** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء

الأكثر قراءة